ناجيتُ قبركِ – لمحمد مهدي الجواهري
محمد مهدي الجواهري , شاعر عراقي، يعتبر من أهم شعراء العرب في القرن ال20. تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي، على جمال في الديباجة وجزالة في النسيج
ناجيتُ قبركِ - لمحمد مهدي الجواهري | |
---|---|
في ذِمَّةِ اللهِ ما ألقَى وما أَجِــدُ | أهذهِ صَخرةٌ أم هذهِ كَبِـــدُ |
قدْ يقتلُ الحُزنُ مَنْ أحبابهُ بَعُـدوا | عنه فكيفَ بمنْ أحبابُهُ فُقِــدوا |
تَجري على رَسْلِها الدنيا ويَتْبَعُها | رأْيٌ بتعليـلِ مَجْراهـا ومُعْتَقَـدُ |
أَعْيَا الفلاسفةَ الأحرارَ جَهْلُهمُ | ماذا يُخَبِّـي لهم في دَفَّتَيْـهِ غَـدُ |
طالَ التَّمَحُّلُ واعتاصتْ حُلولُهمُ | ولا تَزالُ على ما كانتِ العُقَـدُ |
ليتَ الحياةَ وليتَ الموتَ مَرْحَمَـة ٌ | فلا الشبابُ ابنُ عشرينٍ ولا لَبدُ |
ولا الفتاةُ بريعانِ الصِّبا قُصِفَـتْ | ولا العجوزُ على الكَـفَّيْنِ تَعْتَمِـدُ |
وليتَ أنَّ النسورَ اسْتُنْزِفَتْ نَصَفَاً | أعمارُهُنَّ ولم يُخْصَصْ بها أحـدُ |
حُيِّيتِ (أمَّ فُـرَاتٍ) إنَّ والـدةً | بمثلِ ما انجبتْ تُـكْنى بما تَـلِـدُ |
تحيَّةً لم أجِدْ من بـثِّ لاعِجِهَـا | بُدَّاً, وإنْ قامَ سَـدّاً بيننا اللَّحـدُ |
بالرُوحِ رُدَّي عليها إنّها صِلَـةٌ | بينَ المحِبينَ ماذا ينفعُ الجَـســدُ |
عَزَّتْ دموعيَ لو لمْ تبعثي شَجناً | رَجعتُ منهُ لحرَّ الدمعِ أَبْـتَــرِدُ |
خلعتُ ثوبَ اصطبارٍ كانَ يستُرُنـي | وبانَ كَذِبُ ادَّعائي أنني جَلِـدُ |
بَكَيْتُ حتى بكا مَنْ ليسَ يعرفُني | ونُحْتُ حتىَّ حكاني طائرٌ غَــرِدُ |
كما تَفجَّر عيناً ثـرةًً حَجَـــرُ | قاسٍ تفجَّرَ دمعاً قلبيَ الصَّلِــدُ |
إنَّا إلى اللهِ! قولٌ يَستريحُ بــهِ | ويَستوي فيهِ مَن دانوا ومَن جَحَدُوا |
مُدي إليَّ يَداً تـُمْدَدْ إليكِ يَـدُ | لا بُدَّ في العيشِ أو في الموتِ نَتَّحِـدُ |
كُنَّا كشِقَّيْنِ وافى واحِـدا ً قَـدَرٌ | وأمرُ ثانيهما مِن أمـرهِ صَـدَدُ |
ناجيتُ قَبْرَكِ أستوحـي غياهِبَـهُ | عنْ حالِ ضَيْفٍ عليه مُعْجَلاً يَفِـدُ |
وردَّدَتْ قَفْرَة ٌ في القلب ِ قاحِـلة ٌ | صَدى الذي يَبتغي وِرْدَاً فلا يَجِـدُ |
ولفَّني شَبَـحٌ ما كانَ أشبهَــهُ | بِجَعْدِ شَـعْرِكِ حولَ الوجهِ يَنْعَـقِدُ |
ألقيتُ رأسـيَ في طَّياتِـهِ فَزِعَـاً | نَظِير صُنْعيَ إذ آسى وأُفْتَــأدُ |
أيّامَ إنْ ضاقَ صدري أستريحُ إلـى | صَدْرٍ هو الدهـرُ ما وفّى وما يَعِدُ |
لا يُوحِشُ اللهُ رَبْعَاً تَـنْزِليـنَ بـهِ | أظُنُّ قبرَكِ رَوْضَاً نورُهُ يَقِــدُ |
وأنَّ رَوْحَـكِ رُوحٌ تأنَسِينَ بهـا | إذا تململَ مَيْتٌ رُوحُهُ نَـكَــدُ |
كُنَّا كنَبْتَـةِ رَيْحَـانٍ تَخَطَّمَهـا | صِرٌّ فأوراقُـها مَنْزُوعَة ٌ بَــدَدُ |
غَطَّى جناحاكِ أطفالي فكُنْتِ لَهُـمْ | ثَغْرَاً إذا استيقظوا , عَيْنَاً إذا رَقَدوا |
شَتَّى حقوقٍ لها ضاقَ الوفاءُ بها | فهل يكـونُ وفـاءً أنّـني كَمِـدُ |
لم يَلْقَ في قلبِها غِلٌّ ولا دَنَـسٌ | لهُ مَحلاً ، ولا خُبْـثٌ ولا حَسَـدُ |
ولم تَكُنْ ضرَّةً غَيْرَى لجارتِـها | تُلوى لخيـرٍ يُواتيها وتُضْطَهَـدُ |
ولا تَذِلُّ لِخَطْبٍ حُـمَّ نازِلُـهُ | ولا يُصَعِّـرُ منها المـالُ والوَلَـدُ |
قالوا أتى البرقُ عَجلاناً فقلتُ لهـمْ | واللهِ لو كانَ خيرٌ أبْطَـأَتْ بُـرُدُ |
ضاقتْ مرابِعُ لُبنان بما رَحُبَـتْ | عليَّ والتفَّتِ الآكامُ والنُجُــدُ |
تلكَ التي رَقَصَتْ للعينِ بَهْجَتُـها | أيامَ كُنّـا وكانتْ عِيشَةٌ رَغَـــدُ |
سوداءُ تَنْفُخُ عن ذكرى تُحَرِّقُـني | حتَّـى كأنّي على رَيْعَانِهَا حَــرِدُ |
واللهِ لم يَحْلُ لي مَغْـدَىً ومُنْتَقَلٌ | لما نُـعِيتِ ولا شخصٌ ولا بَلَـدُ |
أين المَفَـرُّ وما فيها يُطَارِدُنـي | والذكرياتُ ، طَرِيَّاً عُودُها، جُـدُدُ |
أألظـلالُ التي كانَـتْ تُفَيِّئُنَـا | أمِ الهِضَابُ أمِ الماءُ الذي نَــرِدُ |
أمْ أنتِ ماثِلَة ٌ؟ مِن ثَمَّ مُطَّـرَحٌ | لنا ومِنْ ثَـمَّ مُرْتَاحٌ ومُتَّـسَـدُ |
سُرْعَانَ ما حالَتِ الرؤيا وما اختلفتْ | رُؤَىً , ولا طالَ- إلا ساعة ً- أَمَـدُ |
مَرَرْتُ بالحَوْر ِ والأعراسُ تملأهُ | وعُدْتُ وهو كمَثْوَى الجانِّ ِ يَرْتَـعِدُ |
مُنَىً - وأتْعِسْ بها- أن لا يكونَ على | توديعِهَا وهي في تابوتِـها رَصَدُ |
لعلنِي قَـارِئٌ في حُـرِّ صَفْحَتِهَا | أيَّ العواطِفِ والأهـواءِ تَحْتَشِدُ |
وسَامِعٌ لَفْظَـةً منها تُقَرِّظُـني | أمْ أنَّهَا - ومعـاذَ اللهِ - تَنْتَقِـدُ |
ولاقِطٌ نَظْرَةً عَجْلَى يكـونُ بها | لي في الحَيَاةِ وما أَلْقَى بِهَا ، سَنَـدُ |
You need to add a widget, row, or prebuilt layout before you'll see anything here. 🙂